سورة الزخرف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{حم} {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} أقسم بالكتاب الذي أبان طريق الهدى من طريق الضلالة، وأبان ما تحتاج إليه الأمة من الشريعة.
{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} قوله: {جعلناه} أي: صيرنا قراءة هذا الكتاب عربيا. وقيل: بيناه. وقيل: سميناه. وقيل: وصفناه، يقال: جعل فلان زيدًا أعلم الناس، أي وصفه، هذا كقوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا} [الزخرف- 19] وقوله: {جعلوا القرآن عضين} [الحجر- 91]، وقال: {أجعلتم سقاية الحاج} [التوبة- 19]، كلها بمعنى الوصف والتسمية.
{وَإِنَّهُ} يعني القرآن، {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} في اللوح المحفوظ. قال قتادة: {أم الكتاب}: أصل الكتاب، وأم كل شيء: أصله. قال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب بما يريد أن يخلق، فالكتاب عنده، ثم قرأ {وإنه في أم الكتاب لدينا}، فالقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج- 21]. {لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} قال قتادة: يخبر عن منزلته وشرفه، أي: إن كذبتم بالقرآن يا أهل مكة فإنه عندنا لعلي رفيع شريف محكم من الباطل.


{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} يقال: ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه، والصفح مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه، وذلك بأن توليه صفحة وجهك وعنقك، والمراد بالذكر القرآن. ومعناه: أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنزال القرآن فلا نأمركم ولا ننهاكم من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان؟ استفهام بمعنى الإنكار، أي: لا نفعل ذلك، وهذا قول قتادة وجماعة.
قال قتادة: والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته، فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله.
وقيل: معناه: أفنضرب عنكم بتذكيرنا إياكم صافحين معرضين.
قال الكسائي: أفنطوي عنكم الذكر طيًا فلا تدعون ولا توعظون. وقال الكلبي: أفنترككم سدى لا نأمركم ولا ننهاكم. وقال مجاهد والسدي: أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم. {أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي: {إن كنتم} بكسر الهمزة، على معنى: إذ كنتم، كقوله: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران- 139]، وقرأ الآخرون بالفتح، على معنى: لأن كنتم قومًا مسرفين مشركين.
{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ} أي وما كان يأتيهم، {مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} كاستهزاء قومك بك، يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم.
{فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا} أي أقوى من قومك، يعني الأولين الذين أهلكوا بتكذيب الرسل، {وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ} أي صفتهم وسنتهم وعقوبتهم، فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك.
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} أي سألت قومك، {مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} أقروا بأن الله خالقها، وأقروا بعزه وعلمه ثم عبدوا غيره وأنكروا قدرته على البعث لفرط جهلهم. إلى هاهنا تم الإخبار عنهم.


ثم ابتدأ دالا على نفسه بصنعه فقال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى مقاصدكم في أسفاركم.
{وَالَّذِي نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} أي بقدر حاجتكم إليه لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أهلكهم. {فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ} أي كما أحيينا هذه البلدة الميتة بالمطر كذلك، {تُخْرَجُونَ} من قبوركم أحياء.
{وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ} أي الأصناف {كُلَّهَا} {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} في البر والبحر.
{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} ذكر الكناية لأنه ردها إلى {ما}. {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} بتسخير المراكب في البر والبحر، {وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} ذلل لنا هذا، {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} مطيقين، وقيل: ضابطين.
{وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} لمنصرفون في المعاد.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، أخبرني علي بن ربيعة أنه شهد عليًا رضي الله عنه حين ركب فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى قال: الحمد لله، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم حمد ثلاثًا وكبر ثلاثًا، ثم قال: لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقال: ما يضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ما فعلت، وقال مثل ما قلت، ثم ضحك، فقلنا: ما يضحكك يا نبي الله؟ قال: «العبد»، أو قال: «عجبت للعبد إذا قال لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7